اخبار محليةبرلمانياتدبور قافرئيسيفيديو

باختصار هذا ما حصل بين كتلة الاصلاح والصفدي تحت القبة وأثر منظمات ال (NGOs)

في المشهد البرلماني الأردني، تظهر كتلة الإصلاح النيابية، الممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وجماعة العمل الإسلامي، وكأنها حاضرة بقوة عددية، لكنها غائبة فعلياً عن التأثير الفعلي في مجريات التشريع واتخاذ القرار. فرغم حصولها على أكثر من نصف مليون صوت وانتزاعها 32 مقعدًا في المجلس، فإنها لا تزال عاجزة عن تشكيل لوبي سياسي قادر على صناعة التغيير أو حتى التأثير الفعلي في نتائج التصويت تحت القبة.

ما حدث مؤخرًا في جلسة إقرار قانون اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، وما رافقه من مناكفات بين النائب المحامي صالح العرموطي ورئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، يجسد تمامًا هذا الانقسام القائم بين تيارين متضادين: تيار يرفع شعار “الهوية الإسلامية” ويشترط تمرير القوانين بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة، مقابل تيار ليبرالي يسعى لإظهار نفسه كحامل لمشروع مدني حداثي. لكن خلف هذا الصراع الظاهري، تكمن حقيقة أكثر تعقيدًا: الطرفان يستخدمان المنصة البرلمانية كبوق إعلامي أكثر من كونها ساحة تشريع حقيقية.

العرموطي، في خطابه الاعتراضي، بدا وكأنه يخاطب جمهوره خارج القبة أكثر مما يناقش مضمون القانون، مستثمرًا اللحظة لترويج سردية الإخوان والدفاع عن “المرجعية الإسلامية”. في المقابل، بدا الصفدي مستفزًا ومصممًا على دفع الصورة الليبرالية للمجلس، في موقف يحمل دلالات سياسية تتجاوز حدود اللجنة المعنية.

لكن الواقع يكشف أن هذه المناكفات البرلمانية لا تنعكس بأي شكل جوهري على مخرجات العمل التشريعي. فكتلة الإصلاح، رغم شعبيتها، تبقى معزولة، غير قادرة على التحالف مع كتل أخرى أو تشكيل جبهة تشريعية ضاغطة. بل إن خطابها يبدو في كثير من الأحيان خارج سياق أولويات الشارع، وكأنها تخاطب جمهورًا افتراضيًا لا علاقة له بالواقع المعيشي للناخب الأردني.

أما على مستوى التأثير، فإن انعدام التوافق أو غياب الرؤية الوطنية الجامعة داخل الكتلة، جعلها غير قادرة على فرض مشروع سياسي متكامل أو حتى التأثير في قوانين مصيرية. وكأن وجودها في البرلمان لا يتعدى وظيفة رمزية، تُستخدم فيها اللغة الدينية كأداة للدغدغة العاطفية، لا كأداة للتغيير التشريعي الحقيقي.

باختصار، الصراع الذي شهدناه في الجلسة الأخيرة ليس إلا انعكاسًا لصراع أكبر على الشارع الأردني، حيث تحاول الأطراف السياسية المختلفة توظيف البرلمان كمنصة للبروبغندا، لا كأداة تشريعية حقيقية. وبين هذا وذاك، يبقى المواطن الأردني متفرجًا على مشهد تتكرر فيه الشعارات، وتتبدل فيه الوجوه، بينما تبقى المصالح الوطنية الحقيقية مؤجلة.

وفي هذا السياق لا يمكن إغفال دور المنظمات الدولية في التأثير على السياسات الاجتماعية في الأردن، لا سيما من خلال الدعم المشروط الذي يُقدَّم عبر منظمات المجتمع المدني (NGOs) والجمعيات العامة. هذا التدخل غالبًا ما يكون مغطى بشعارات حقوق الإنسان وتمكين المرأة، لكنه في كثير من الأحيان يأتي ضمن أجندة أوسع تستهدف إعادة تشكيل بنية “الأُسَر الأردنية” وتغيير منظومة القيم المجتمعية، خصوصًا لدى فئة الشباب.

المساعدات المشروطة التي تُضَخّ إلى الداخل الأردني، لا تأتي بمعزل عن شروط واضحة، منها الضغط لتعديل قوانين الأحوال الشخصية، توسيع الحريات الفردية، وفرض مفاهيم جديدة تتصادم أحيانًا مع الموروث الديني والثقافي. في المقابل، تجد منظمات المجتمع المدني نفسها في موقع المنفذ المحلي لهذه السياسات، ما يخلق فجوة بين الشارع المحافظ وبين المؤسسات التي يُفترض بها أن تمثّله.

وهنا تصبح المناكفات البرلمانية، كما شهدنا في نقاش قانون اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، جزءًا من هذا الصراع الأكبر. فكتلة الإصلاح، رغم محدودية تأثيرها، تحاول أن ترفع الصوت في وجه هذا التوجه، بينما يجد التيار الليبرالي في دعم هذه الأجندات فرصة لتعزيز موقعه في الداخل والخارج، ولو على حساب التماسك الاجتماعي.

إن ما يجري ليس صراعًا محليًا فقط، بل هو أيضًا انعكاس لمعركة سيادة وطنية ناعمة، تُدار عبر تمويل المشاريع وتوجيه التشريعات، في ظل ضغوط اقتصادية تدفع الدولة لفتح الأبواب أمام الدعم الخارجي، حتى لو كان على حساب هوية المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى