الفاعوري يكتب : حماس على أنقاض غزة نرجسية القيادات وتفكك المشروع

بقلم : ماجد الفاعوري
بين شعارات “النصر” ومشاهد الخراب تقف حماس اليوم كقيادة تتغذى على المجازر، وتحكم من فنادق الخارج، بينما تئن غزة تحت الركام .
ومن تحت ركام غزة المدمّرة، ينبعث خطاب سياسي لا يعكس حجم المأساة، بل يواصل تسويقها وبينما يموت الأطفال جوعًا وبترًا، تتحدث قيادات حماس بلغة المنتصر، متجاهلة واقعًا إنسانيًا من أسوأ ما عرفه التاريخ المعاصر وهنا يسلّط الضوء على التناقض المروّع بين النرجسية السياسية لدى قيادة حماس، وواقع الانهيار في القطاع
في علم النفس السياسي، يعتبر “التشوه الإدراكي” الناتج عن الصدمة والتعذيب، من أخطر ما يمكن أن يصيب من يتولّى القيادة إذ تتحول معاناة الماضي إلى تبرير دائم للقرارات، ويتلبّس الإنسان دور الضحية ليخوض به حربه الخاصة، حتى على حساب من يدّعي تمثيلهم
قيادات حماس التي خرجت من سجون الاحتلال محمّلة بالجراح، لم تتجه نحو بناء مشروع تحرري إنساني، بل نحو توظيف الألم وتدوير المظلومية وهكذا، ولّدت ما يمكن تسميته بـ”عقيدة المأساة المستدامة”، حيث لا نهاية للمعاناة لأنها ببساطة أصبحت رأس المال السياسي الوحيد
في الوقت الذي تتحدث فيه القيادات بلهجة النصر، تحصي تقارير أممية الكارثة بالأرقام
أكثر من 2 مليون مشرد بلا مأوى
أكثر من 600 ألف طفل يواجهون خطر الشلل
150 الف مصاب ويزيد
اطفال بلا أطراف وفتيات بلا مستقبل بدون أباء ولا أمهات
أسر مسحت من السجل المدني
رغم هذا، يظهر قادة حماس السياسيين، ليقولوا: “التحرير قريب”، وكأنهم يخاطبون شاشة خضراء في قناة دعائية، لا واقعًا تغزوه المجازر والمقابر الجماعية
أخطر ما فعلته حماس سياسيًا، أنها حوّلت المأساة إلى دعاية، والدم إلى وسيلة ضغط، والخراب إلى رصيد تفاوضي
هذه ليست مقاومة هذا توظيف ممنهج للكارثة، وتسليع لمعاناة الناس باسم القضية
الفيلسوف جيل دولوز حذّر من تحوّل الضحية إلى جلاد حين تستثمر ألمها: الضحية التي تتمسك بهويتها كضحية تتحول إلى جلاد
أما فاكلاف هافل فنبّه إلى ما هو أدهى: أسوأ الطغاة هم أولئك الذين يعتقدون أنهم يفعلون الخير
وحماس تجمع بين الأمرين: شرعية مبنية على المظلومية، ومناعة داخلية ضد النقد والمحاسبة
الجيل الرقمي من “مجاهدي الكيبورد” و”صقور التيك توك وتويتروفيس بوك وانستغرام” ابتلع الطُعم: مقاومة مفترضة تُمارس بلغة دينية، لكنها بلا مضمون سياسي، بلا خطة، بلا أفق، بل حتى بلا شجاعة للاعتراف بالفشل
الدكتور بسام العموش قالها صراحة: الذي لا يملك مشروع دولة، هو مشروع دمار
وحماس، بعد 17 عامًا من الحكم، لم تبنِ دولة، ولم تحمِ مجتمعًا، بل بنت سلطة أمنية، وأفقًا مغلقًا، وطبقة سياسية تقيم في قطر وتركيا، وتُسيّر شعبًا جائعًا من خلف المايكروفونات
إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس فقط الاحتلال، بل من يحتكر تمثيل المعاناة ويتاجر بها لقد استُبدلت المقاومة الحقيقية بلغة خشبية مفرغة، تتغذى على الشهداء كما تتغذى الديكتاتوريات على الخوف
علينا أن نعي أن المقاومة ليست طقوسًا أيديولوجية، بل مسؤولية أخلاقية وأول بند في هذه المسؤولية هو حماية الشعب، لا الزجّ به في أتون الدمار ثم ادّعاء النصر فوق جثثه
وكما قال جان بول سارتر
الحرية لا تعني فقط التحرر من العدو، بل التحرر من كل ما يمنعك من رؤية الحقيقة
وحان الوقت لفتح العيون على الحقيقة الأكثر إيلامًا: أن قيادة حماس اليوم لم تعُد تقاوم الاحتلال، بل تتغذى على استمراره